خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 15 من ربيع الآخر 1446 هـ - الموافق 18 / 10 / 2024م
مَنْزِلَةُ الْإِحْسَانِ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، وَاعْتَصِمُوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَعْظَمَ مَنْزِلَةٍ فِي الدِّينِ وَخَيْرَ مَا يُقَرِّبُ الْعَبْدَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: مَنْزِلَةُ الْإِحْسَانِ؛ فَهِيَ دَأْبُ الصَّالِحِينَ، وَعُمْدَةُ الصِّدِّيقِينَ، وَسَبِيلُ السَّالِكِينَ، حَثَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا، وَأَعْلَى مَكَانَتَهَا، وَرَفَعَ أَهْلَهَا؛ فَالْمُحْسِنُونَ هُمُ الْفَائِزُونَ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ] وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[ [البقرة:195]، وَهُمُ الْمُنْعَمُونَ بِمَعِيَّةِ اللَّهِ وَحِفْظِهِ وَنَصْرِهِ وَرِعَايَتِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[ [النحل:128]، وَهُمُ الْمَوْعُودُونَ فِي الْآخِرَةِ بِالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَالْخَيْرِ الْعَمِيمِ؛ ]إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ[ [الذاريات:15-16]، غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ، وَرَحِمَهُمْ، وَرَفَعَ الْحَرَجَ عَنْهُمْ ] مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ [التوبة:91]. يَقُولُ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: (هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي رَفْعِ الْعِقَابِ عَنْ كُلِّ مُحْسِنٍ).
عِبَادَ اللهِ:
لَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ: فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ، مَعَ اللَّهِ وَمَعَ خَلْقِهِ؛ فَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ بِالْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى[ [النحل:90]، وَالْإِحْسَانُ: هُوَ إِيقَاعُ الْعَمَلِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَإِتْقَانِهِ، وَتَحْسِينِهِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ.
وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ: الْإِحْسَانَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّوْحِيدِ، وَتَخْلِيصَهُ مِنْ شَوَائِبِ الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ، فَمَنْ كَمُلَ تَوْحِيدُهُ أَوْرَثَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ النَّارَ؛ قَالَ تَعَالَى: ]هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ[ [الرحمن:60]. قَالَ عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (هَلْ جَزَاءُ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَّا الْجَنَّةُ).
وَمِنَ الْإِحْسَانِ مَعَ اللَّهِ: الْإِحْسَانُ فِي عِبَادَتِهِ، فَيَسْتَحْضِرُ الْعَبْدُ قُرْبَ اللَّهِ مِنْهُ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَيَبْعَثُهُ ذَلِكَ عَلَى كَمَالِ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى وَخَشْيَتِهِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ، فَمَنِ اسْتَحْضَرَ أَنَّ اللَّهَ يَرَاهُ؛ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصْرِفَ لِغَيْرِهِ شَيْئًا مِنَ الْعِبَادَةِ، وَيَبْعَثُهُ عَلَى إِتْقَانِ الْعِبَادَةِ وَإِحْسَانِ أَدَائِهَا؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْإِحْسَانِ: »أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ « [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].
فَمَنْ أَحْسَنَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَوْقَعَهَا عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ مِنَ الْإِخْلَاصِ وَاسْتِحْضَارِ الْقُرْبِ ؛ رَزَقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ نَعِيمٍ، وَهُوَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ[ [يونس:26]، قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: (وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفْسِيرُ الزِّيَادَةِ: بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجَنَّةِ، وَهَذَا مُنَاسِبٌ لِجَعْلِهِ جَزَاءً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ؛ لِأَنَّ الْإِحْسَانَ: هُوَ أَنْ يَعْبُدَ الْمُؤْمِنُ رَبَّهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى وَجْهِ الْحُضُورِ وَالْمُرَاقَبَةِ، كَأَنَّهُ يَرَاهُ بِقَلْبِهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي حَالِ عِبَادَتِهِ، فَكَانَ جَزَاءُ ذَلِكَ النَّظَرَ إِلَى اللَّهِ عِيَانًا فِي الْآخِرَةِ).
وَمِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ: الْإِحْسَانُ فِي مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مُوَافِقًا لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِهِ، خَالِيًا مِنَ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا[ [النساء:125]، قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهَا: (فَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ، عَلَى مُتَابَعَةِ أَمْرِهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى عَامِلِهِ، يُرَدُّ عَلَيْهِ أَحْوَجُ مَا هُوَ إِلَيْهِ هَبَاءً مَنْثُورًا)، فَلَيْسَتِ الْفَضَائِلُ بِكَثْرَةِ الْأَعْمَالِ، لَكِنْ بِكَوْنِهَا خَالِصَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، صَوَابًا عَلَى مُتَابَعَةِ السُّنَّةِ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
وَإِنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ: الْإِحْسَانَ إِلَى عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى فِي مُعَامَلَتِهِمْ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الْأُمُورِ، فَيُحْسِنُ إِلَى وَالِدَيْهِ أَعْظَمَ الْإِحْسَانِ، وَيُحْسِنُ إِلَى أَقَارِبِهِ وَجِيرَانِهِ، وَإِلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ بِإِيصَالِ الْخَيْرِ إِلَيْهِمْ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْهُمْ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[ [النساء:36].
وَمِنَ الْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ : الْإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ بِلِينِ الْقَوْلِ وَالتَّأَدُّبِ فِيهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ] وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا( [البقرة:83]، يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهَا: (فَالْحَسَنُ مِنَ الْقَوْلِ: تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَحْلُمُ وَتَعْفُو وَتَصْفَحُ، وَتَقُولُ لِلنَّاسِ حُسْنًا كَمَا قَالَ اللَّهُ، وَهُوَ كُلُّ خُلُقٍ حَسَنٍ رَضِيَهُ اللَّهُ)، وَالْإِحْسَانُ فِي الْقَوْلِ مَأْمُورٌ بِهِ الْعَبْدُ حَتَّى فِي الْخُصُومَاتِ وَالْمُنَازَعَاتِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ[ [الإسراء:53].
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب: 70- 71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَمِنْ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا الشَّارِعُ: الْإِحْسَانُ إِلَى الْبَهَائِمِ سَوَاءً كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْإِنْسَانِ أَوْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا؟ فَقالَ: «فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، فَالشَّرْعُ الْحَكِيمُ حَثَّ عَلَى الْإِحْسَانِ فِي جَمِيعِ الْأَبْوَابِ، وَفِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ وَالْأَحْوَالِ؛ فَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
يَقُولُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: (وَمِنْ مَنَازِلِ ]إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[ : مَنْزِلَةُ الْإِحْسَانِ؛ وَهِيَ لُبُّ الْإِيمَانِ وَرُوحُهُ وَكَمَالُهُ، وَهَذِهِ الْمَنْزِلَةُ تَجْمَعُ جَمِيعَ الْمَنَازِلِ، فَجَمِيعُهَا مُنْطَوِيَةٌ فِيهَا )، فَلْيَجْتَهِدِ الْمُسْلِمُ فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الْعَظِيمَةِ، الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ، وَيَحُثُّ عِبَادَهُ عَلَيْهَا؛ فَبِهَا يَنَالُ الْمَرْءُ الْخَيْرَ الْعَمِيمَ وَالْفَضْلَ الْكَبِيرَ، وَبِهَا يُنِيرُ اللَّهُ عُقُولَ الصَّالِحِينَ، وَيَمْلَأُ بِالْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ فُهُومَ الْمُحْسِنِينَ؛ قَالَ تَعَالَى عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ]وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ[ [القصص:14].
وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُحْسِنُ، وَالْإِحْسَانُ وَصْفٌ لَازِمٌ لَهُ سُبْحَانَهُ، فَلَا يَخْلُو مَوْجُودٌ عَنْ إِحْسَانِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ؛ إِذْ هُوَ الْمُحْسِنُ لِعِبَادِهِ بِنِعْمَةِ الْإِيجَادِ وَبِعَظِيمِ الْإِمْدَادِ، وَمَنْ أَحْسَنَ فِيمَا أُمِرَ بِهِ؛ زَادَ اللَّهُ فِي إِحْسَانِهِ وَرَفَعَهُ وَنَصَرَهُ وَأَعَزَّهُ؛ فَاجْتَهِدُوا -عِبَادَ اللَّهِ- فِي بُلُوغِ تِلْكَ الْمَرَاتِبِ الْعَالِيَةِ وَالْمَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ تُفْلِحُوا.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّـتِـينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْإِيمَانِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة